طارق المحارب ..
30/3/2020
ديار الفرات ..
ليْ فيكِ ذكرى و تَرحالٌ و آثارُ
و العمرُ للمرءِ إقبالٌ و إدبارُ
يا جنَّةً حولَ ماءِ الخيرِ أورثَها
جُوداً وطِيباً أُناسٌ فيكِ أحرارُ !!
أهلُ الفراتِ منَ التَّاريخِ منبتُهمْ
كالتُّرْبِ فيهِ نما وردٌ و أشجارُ
مذْ أينعتْ لمْ يزلْ حَمْلٌ لها شمماً
تُذيعُهُ في نواحي الأرضِ أخبارُ
يغدو النَّسيمُ شذىً كالطَّيرِ يعبرُها
جناحُهُ العطرُ و الأنفاسُ أزهارُ
أرضُ الكرامِ كماءِ النَّهرِ جُودُهمُ
يجري الفراتُ و تُجري زادَها الدَّارُ
و الدَّيرُ فوقَ الرِّمالِ السُّمرِ ناهضةٌ
تسخو فتبعثُ منها النُّورَ أقمارُ
على الضِّفافِ ترى حينَ الرَّبيعُ أتى
جمعَ الأُصَيحابِ و الآفاقُ أطيارُ
و الماءُ والزَّرعُ و الأفنانُ راقصةٌ
و النَّاسُ كلُّهمُ في الرَّبعِ سُمَّارُ
شاميَّةُ الشَّامِ بعدَ النَّهرِ زاهرةٌ
و في الجزيرةِ قبلَ النَّهرِ أنوارُ
وفي القناديلِ منْ قُدْمِ الزَّمانِ خُطاً
للمجدِ سائرةٌ و المجدُ سيَّارُ
و البوكَمالُ بوَفْرِ النَّخلِ زاخِرةٌ
و الجُلَّنارُ على الرُّمَّانِ مِعطارُ
قدْ كانَ لي في بواديها خُطاً درستْ
و رسمُها في شغافِ القلبِ تَذكارُ
و الصَّالحيَّةُ قُرْبَ الماءِ يكتبُها
طِينُ اليراعِ و حِبرُ الطِّينِ مِعمارُ
حضارةٌ لا تزالُ الرُّوحُ تُكسِبُها
عيشاً و فيها حكاياتٌ و أسرارُ
قدْ شيَّدتها أيادٍ للبناءِ أتتْ
منْ بابلٍ فهْيَ أسواقٌ و أسوارُ
حتَّى غدتْ منذُ ذاكَ العهدِ فاتنةً
يدقُّ أبوابَها للقربِ أصهارُ
مرَّتْ عليها عهودٌ و هْيَ عامرةٌ
والدُّورُ كالنَّاسِ آجالٌ و أعمارُ
وفي الرّصافةِ لو طالعتَ أسطرَها
لاصطفتَ فيها كما صحبٌ لها ساروا
هذا هشامٌ على مَرْجٍ بها اضطجعتْ
ضِحكاتُ خُدَّامِهِ و الحُسْنُ يُختارُ
و المجلسُ المُستظِلُّ الدَّوحَ يغمرُهُ
إشراقُ عِلْمٍ و آدابٌ و أشعارُ
رقَّ النَّسيمُ فطبعُ المرءِ مُنهمِكٌ
بالنَّظمِ والرَّقَّةُ الخضراءُ مِزمارُ
غنتْ بألحانِها ما كانَ يُطربُنا
و الماءُ عذبٌ و جنَّاتٌ و زُوَّارُ
يا جنَّةَ اللؤلؤِ البرَّاقِ خالطَها
رملُ الصَّحارى و جادتْ فيكِ أمطارُ !!
فالتِّينُ شَهدٌ وزيتونٌ و فاكهةٌ
منْ حولِها قدْ أعاقَ الرِّيحَ صَبَّارُ
يا أيُّها الرَّبعُ يُسْرُ الحالِ بُغيتُنا
و لو عراكَ بصبحِ اليومِ إعسارُ !!
غداً ستُشرقُ شمسُ الكونِ جامعةً
أهلاً و إنْ باعدتْ في الأهلِ أسفارُ
همْ عائدونَ إذا عادتْ بهمْ سُفنٌ
و سُنَّةُ العيشِ إذهابٌ و إحضارُ
ما غابَ في البحرِ بحَّارٌ و جاوزهُ
إلَّا و عادَ بهِ للأمِّ إبحارُ
قدْ أُرضِعَ الحُبَّ و التَّحنانُ شيمةُ منْ
شفَّ الفراتَ و فيهِ الدَّمعُ مِدرارُ
و الشَّوقُ للخبزِ في التَّنُّورِ مُتَّقِدٌ
و حولَهُ الدِّف ءُ تنفي بردَهُ النَّارُ
بقلمي ..